متابعات

“ترامب الثاني”..أخر أباطرة اليانكي

الديموقراطية الأمريكية التي لفظت ترامب مستقلاً، منحته في 5 نوفمبر 2024 "تفويضاً واضحاً تماما ًللتغيير" حسب تعبير ممول حملته الأساسي البليونير أيلون ماسك، الذي اختاره ترامب لاحقاً ليكون وزيرا لـ"الكفاءة الحكومية"، فما هو يا تري حجم ونوع "التغيير المرتقب"، ولماذا  يتنبأ محللون بأن تكون ولاية ترامب الرئاسية الثانية مفتتحاً لصدام، وربما احتراب أهلى وفي كل الحالات لتدهور حاد في مكانة "الإمبراطورية الأمريكية".

عقب فوز ترامب بولايته الرئاسية الأولى ، نظّم الطلاب ونشطاء آخرون احتجاجات  في عديد من المدن الكبرى ، بينها نيويورك وبوسطن وفيلادلفيا وشيكاغو وبورتلاند وأوكلاند.

شارك عشرات الآلاف من المتظاهرين، وهتف كثيرون “ليس رئيسي”  تعبيراً عن معارضتهم لفوز ترامب في المجمع الانتخابي ، ترامب خسر وقتها  التصويت الشعبي بفارق 2.1%، بينما فاز به هذه المرة بفارق . نُظِّمت أيضًا احتجاجات في كندا والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والفلبين وأستراليا وإسرائيل واستمر بعضها عدة أيام، وتم التخطيط  لمزيد من الاحتجاجات في الأسابيع والأشهر التالية.

الوضع الآن أكثر صعوبة حسب الكسندر نازروف الذي يرى ، أن السياسة الخارجية والوضع الاقتصادي للولايات المتحدة سوف يتدهوران بسرعة.

ويضيف المحلل السياسي الروسي عبر تيليجرام ” لقد صوتوا لصالح ترامب لأن الناس غير راضين،  وفي غضون شهر، سيكون الناس أكثر استياءً، وسيكون الوضع أسوأ كل شهر، ولن يُظهر ترامب نجاحاً، لأن النجاح مستحيل في مثل هذه الظروف وفقاً لعوامل موضوعية”

ويتوقع نازروف انه  في غضون ثلاثة أشهر، ستبدأ البروتيسيا ــ الاحتقان ــ، عندما يحدث انهيار في سوق الأوراق المالية وتحدث أزمة اقتصادية كبرى، سوف يخرج الناس إلى الشوارع بغض النظر عمن يتولى السلطة في البيت الأبيض، وسوف تستغل المعارضة هذا، بغض النظر عمن تكون المعارضة.

سيناريو نازروف له وجاهته، اذا اعتمدت مقاييس اقتصادية بحتة، حيث يدعمه تجاوز عدد القروض المتأخرة للعقارات التجارية المشتراة في الولايات المتحدة 8%، مقترباً من مستويات قياسية، الأمر الذي قد يتسبب  في انهيار مصرفي.

“البعبع” الإقتصادي الآخر الذي سيواجهه ترامب هي الصين، التي  حاربها ترامب في ولايته الرئاسية الأولى، وفرض عليها تعريفات جمركية أدت لاندلاع “حرب تجارية” بين البلدين، شملت فرض عقوبات على عدد من الكيانات الإقتصادية الصينية، وهي العقوبات التي حافظت عليها إدارة بايدن.

الامر الان وببساطة  ان ترامب الذي توعد الصين اثناء حملته الانتخابية بزيادة الرسوم الجمركية على مجمل الواردات بنسبة من 10 إلى 20%، وصولاً إلى 60% على الواردات الصينية، وحتى 200% على السيارات التي تُصنّع في المكسيك، معتبراً أن الصين والاتحاد الأوروبي وشركاء بلاده التجاريين “يعاملونها بشكل غير عادل”.

ترامب سيجد نفسه في مواجهة مع عملاق اقتصادي يستهلك أكثر من 50% من الإنتاج العالمي من لحم الخنزير والألمنيوم والزنك والنحاس، وأكثر من 60% من الفحم. خام الحديد والنيكل، فضلا عن القوة الصناعية والعسكرية للصين، واستبعادها من التجارة العالمية أو هزيمتها، ومن ثم  انهيار اقتصادها يعني انهيار الحضارة الحديثة.

فضلا عن وصول الدين الوطني الأمريكي إلى مستوى تاريخي جديد بلغ 36 تريليون دولارـ بزيادة قدرها 2 تريليون دولار عن مستواه في يناير الماضي.

 اذا ادرت عينيك ناحية السياسة، وقرأت مشهد “التعيينات الترامبية”، ستجد وببساطة حملة عنواناً آخر على الأزمة  وربما الانهيار الحتمي المنتظر لإمبراطورية اليانكي.

يمكننا وصف ما يحدث بـ”عملية تطهير متبادل”، في الإدارات الفيدرالية، وكانت إدارة بايدن هي البادئة بمحاولات اجتثاث أنصار ترامب، وهذا التطهير المتبادل يدمر “جهاز الدولة”

و على خلفية عمليات التطهير في الإدارات الفيدرالية، ستبدأ عمليات تطهير مماثلة على مستوى الولاية وحتى على مستوى المدينة، وفي الولايات والمدن التي يسيطر عليها الديمقراطيون، لن تكون عمليات التطهير أقل شمولاً وقسوة.

 ومن الطبيعي أن تقوم الولايات الديمقراطية بتخريب قرارات ترامب، وقد تنتهي هذه المواجهة إلى انقسام في البلاد، والرؤية لا زالت لنازروف.

“عملية التخريب المتعمد” يمكن التدليل عليها بقرار السماح لأوكرانيا باستخدام السلاح الأمريكي لضرب العمق الروسي، الأمر الذي اعتبره بوتين بمثابة دخول أمريكا للحرب، وعلق عليه دونالد ترامب الإبن قائلا:” يبدو أن المجمع الصناعي العسكري يريد التأكد من اندلاع الحرب العالمية الثالثة قبل أن تتاح لوالدي فرصة لإحلال السلام وإنقاذ الأرواح.  نحن بحاجة إلى تجميد هذه التريليونات من الدولاراتالحياة ملعونة!!  البلهاء!!”.

وبعيدا عن “الأمنيات الروسية” تقول الوقائع على الأرض، أن  ترامب قال إن أحد قراراته الأولى بعد توليه منصبه سيكون إلغاء وزارة التعليم الفيدرالية، ومقرها واشنطن.  وسيتم تفويض جميع القضايا المتعلقة بالتعليم مباشرة إلى الولايات المحلية.

القرار سيطلق حركة “هجرة داخلية” تؤدي لتعميق الانقسام، ففي الولايات الديمقراطية، سيكون هناك فصول دراسية للمثليين لطلاب المدارس الابتدائية، وفي الولايات الجمهورية سيكون هناك حظر على المثليين، وبالتالي سوف ينتقل الأميركيون المحافظون إلى الولايات الجمهورية، و الليبراليون  إلى الولايات الديمقراطية.

ترامب اعلن أيضاً عن نهاية التمويل الفيدرالي لعمليات إعادة تحديد الجنس، وحظر مثل هذه الإجراءات للأطفال،  وتقييد تحديد جنس الماليد على ذكور وإناث فقط.

و مثل هذا  القرار  قد يدفع الولايات الديمقراطية إلى تشكيل جبهة موحدة وتجاهل القرارات الفيدرالية.

وقد تتضح الصورة اذا علمنا انه و على مدى السنوات الخمس الماضية، خضع 14000 طفل في الولايات المتحدة لإجراءات مثل إزالة المبيضين أو القضيب، وإزالة الثدي، والإخصاء الجراحي أو الكيميائي.

و عندما تكون هناك العديد من مثل هذه القرارات التي تقسم الأمة، يمكننا أن نتوقع أن تنتقل المواجهة إلى أشكال أكثر خطورة وأعمق، وصولاً إلى الحرب الأهلية أو الانفصالية.

بالعودة الي الاقتصاد وهوية الدولة يمكننا التوقف عند مقولة المؤرخ الاميركي أرتر ماير شيلزنجر”الولايات المتحدة،هي شركة اقتصادية، وما يربط بين الناس فيها هو معدلات النمو الاقتصادي وتوزيع الدخول” ،

فهل تؤدي محاولات ترامب المعلنة لخفض الميزانية من خلال خفض الإنفاق الإجتماعي،إلى تآكل دعم ترامب بين ألفقراء  السود واللاتين، الذين صوتوا لترامب في هذه الانتخابات بسبب عدم الرضا عن التضخم  في عهد بايدن.

هل يؤدي خفض الإتفاق الإجتماعي إلي عاصفة سخط شعبي، يستغلها “الديموقراطيين” للإطاحة بترامب،

تحسبا لمخاطر من هذا النوع بادر “أيلون ماسك” المسؤول عن كفاءة الحكومة، إلى غيير صيغة الاستقلال الكامل للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ومنح الرئيس سلطة تعديل السياسة النقدية في حالات معين.،  حتى أنه أطلق هاشتاج “إنهاء الاتحاد” “EndtheFed” ، فهل ينتهي “الإتحاد”قريباً؟

عودة الي نازاروف الذي قال:” كتبت قبل الانتخابات أن كل متطلبات الحرب الأهلية موجودة، لكن ما ينقصنا هو الأزمة الاقتصادية الحادة،  إن رغبة الدولة العميقة أو عدم رغبتها لا حول لها ولا قوة هنا، بمعنى أن الدولة العميقة ليست سوى أحد العناصر،  الآن الوضع في أمريكا صعب، ولكن ليس حادا،  وعلى هذه الخلفية، من الممكن التوصل إلى اتفاق مؤقت بشأن التداول السلمي للسلطة،  لكنني أؤكد أن هذا عامل مؤقت،  وأمام ترامب الكثير من الأزمات؛ وخلال أي من هذه الأزمات، قد يضعف دعمه الشعبي إلى حد إلغاء الاتفاق مع الديمقراطيين.  أعتقد أن هذا ليس حتى احتمالا، أي أنه  في رأيي، ستتطور الأحداث بهذه الطريقة”.

أضف تعليق