كتابات

عوربة الفعل المقاوم ..كيف  يعيد “حزب الله” و”أنصار الله” نحت خرائط الهوية

في تحولاتها من فعل عفوى غرائزي إلي حالة سيسيو ثقافية، نشأت المقاومة كفعل أممي النزعة، كون الأ نسان المقاوم لا يستسيغ القهر لغيره كما لا يقبله علي نفسه، ويعتبر أي قاهر عدوا له ، اي كان حيزه الزماني والمكاني،

المقاومة معولمة بطبعها منذ نشأتها، ومنذ ظهورها كمفهوم قانوني في مؤتمرات ﺑﺮوﻛﺴﻞ ﻋﺎم١٨٧٤م وﻻھﺎي ﻋﺎﻣﻲ١٨٩٩–١٩٠٧م وﺟﻨﯿﻒ ﻋﺎم١٩٤٩م، ولا ينتقص من قدر مشروعيتها ارتداائها مسوحاً قومية أو دينية، أو عرقية أو أي ملمح هوياتي آخر.

في منطقتنا العربية ظهر مفهوم المقاومة مع مفهومه اللصيق “الاحتلال” مع بدايات القرن  قبل الماضي،  وكان المتكأ الديني أساساً للفكر المقاوم  مع حضور لافت للملمح الصوفي،  من انتفاضة  الأمير عبدالقادر الجزائري 1832  ضد الغزو الفرنسي، والتي تبعتها حركات أخرى قادها  اخرون بلغت اثنا عشر انتفضة وحركة مقاومة كان آخرها  مقاومة الأوراس  الثانية عام1916 الي  مواجهة الاميرلاي أحمد عرابي للجيش الإنجليزي بعد الأمير عبدالقادر  بخمسين عاماً تقريباً،  وكان مثله صوفياً يعود نسبه للعارف بالله السيد صالح، الجد الأكبر لوالده ووالدته.

لم تتوقف المقاومة كونها فعل إنساني، رغم ارتباك مفاهيمي أصاب بعض المخلصين “وكثير من المغرضين” يخص علاقة إنسان المشرق بالغرب، فالإنبهار  والتسليم بالتفوق الحضاري لا يعني أبدا الإحساس بالدونية والتبعية والتذيل،

في مصر وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية و”خيانة الغرب” للحركة الوطنية الناشئة، التي طالما اعتقدت أن التفاوض هو الوسيلة الأنسب لاستخلاص حق تقرير المصير، وهو مسار أفني فيه مخلصون مثل محمد فريد أعمارهم، ظهرت فكرة المقاومة المسلحة، علي استحياء أولاً، ثم رأي فيها البعض خلاصاً وحيداً، مع الإقرار أن الدم المسفوك جزء من ثمن مستحق في ظل فارق الإمكانات والقدرات.

كان ظهور الرئيس جمال عبدالناصر  في المشهد السياسي حدثاً فارقا في تاريخ فكرة المقاومة، ورفض التبعية، والتف حوله الحالمون بالتحرر الوطني في معظم أو كل دول الإقليم، ولم يبخل بدوره في دعم حركات التحرر في إفريقيا والمنطقة العربية، وجزيرة العرب.

وعقب هزيمة يونيو 1967 بدء الضخ الغربي في فكرة لاجدوي المقاومة، ومعها تسفيه فكرة العروبة، وزرع “كليشيهات ” مثل أن العروبة وقضية فلسطين وراء ما قاسته مصر  على يد الغرب الإستعماري،

تاريخياً لم تحارب مصر من أجل فلسطين، باستثناء مشاركتها مع جيوش عربية أخري في حملة العام 1948، والتي انتهت بالنكبة الفلسطينية.

رحل عبد الناصر  لتواجه فكرتا العروبة والمقاومة حرباً لا هوادة فيها علي جبهات عدة، فيما يمكن اعتباره أكبر عملية “كي للوعي” في تاريخ المنطقة.

المفارقة أن الوعي الجمعي رفض هذه الحرب، وظل متمسكاً بفكرة البطل/المخلص، الذي يوحد الأمة  ويقودها في حربها المصيرية.

وبجهد دؤوب من أجهزة المخابرات الغربية ، تم الدفع نحو أسلمة المجتمعات والأفكار، للمساعدة في مواجهة المد السوفياتي الذي ألصقت به دعاوى الإلحاد، رغم طبيعة المجتمع الروسي الشرقية الأرثوذكسية، وتوجت الفكرة بنجاح الغرب في مواجهة بالوكالة مع روسيا في أفغانستان، وهي المستنقع الذي سيسقط فيه الأمريكان بعد الروس .

طوال هذه الفترة ومع حسم التوجه الإسلامي لمعركته مع التوجه العروبي، لم يكف ضحايا المجازر في فلسطين ولبنان وغيرهما من استصراخ النخوة العربية، والدعم العربي ، وحكام وشعوب العرب، حتي في العدوان الأخير علي  شعب غزة والذي تقود مقاومته حركة المقاومة الإسلامية لم تتوقف نداءات ” وين العرب، وين الحكام العرب وين الشعوب العربية” جنباً إلى جنب مع استصراخ المسلمين وأحرار العالم.

التحول الذي يستحق الرصد هنا هو أن الاستجابة جائت من عرب اليمن وعرب الشام ، ممثلين في حزب الله اللبناني وجماعة أنصار الله اليمنية اللذان دخلا علي خط النار علي التوالي، واللذان تم الصاق تهمة العمل لصالح إيران، وأنهما جزء من مشروع الهلال الشيعي، ليسقطا في لحظات جهدا وأموال طائلة أنفقت لفصل الحركتين المقاومتين عن جسدهما العربي،

وبدا من غير المنطقي أن يستصرخ الفلسطينيون العرب فيستجيب  حزب الله وأنصار الله، ثم نتوقف عند هويتهما المذهبية،

ــــــــــ جوليا بطرس مثلاً عندما أطلقت أغنيتها /صرختها الأشهر  وين الملايين ، الشعب العربي وين لم تحدد مذهباً لهذا الشعب العربي ـــــ

حركة المقاومة الإسلامية “حماس” لم تتأخر في تقديم الشكر المستحق لجناحي الحراك العربي المقاوم، رغم أن عددا من داعميها وجمهورها لا يزال يهاجم حزب الله ، ورغم أنها هي نفسها لم تتبني موقفاً مبدئياً إزاء العدوان علي اليمن من قبل التحالف الأمريكي السعودي قبل أعوام.

العروبة ليست لغة،أو عرقاً بقدر ما هي هوية لمنطقة شاء حظها التعس أن تكون هدفاً لقوى الاستعمار الحديث، ولذا استهدفت تلك الهوية، سلماً وحرباً ، وتم تمزيقها بين هويات أخرى لا تعارض حتمي بينهما، إلا أنها بقيت في الوعي الجمعي لأبنائها، وربما يكون العدوان غير المسبوق على غزة، والاستنفار غير المسبوق لها من العرب المؤمنين بمنهجية المقاومة، كحراك مشروع نحو امتلاك المقدرات بعيداً عن “المقومات الروحية” المتباينة لأفراد هذا الفريق.

ما حدث خلال العدوان علي غزة منذ أكتوبر2023 وحتي انتهاء هذه الجولة بانتصار حاسم ، أو انتصار بالنقاط ، هو خطوة في طريق نحو ترسيخ الهوية العربية المقاومة، بإرثها الديني والعلماني معاً، ونقطة تحول في نظرة ملايين العرب تجاه جماعتين  ورثا الحراك المقاوم منذ أكثر من ثلاثين عاماً، سبقتهما قوي يسارية وعلمانية، وشاركتهما الحراك، دونما غضاضة، أو تمايز ، فكلاهما هدف للإمبريالية/قوى الإستكبار، ولعملائها ممن روجوا لنظريات “اوراق اللعبة، العين لا تقاوم المخرز” تحت غطاء تنوير منقوص، أو حداثة تابعة، أو كمبرادور بلا محاذير،

عقب انقشاع غبار المعركة ربما ، ستستعيد العروبة بريقها، كفكرة وهوية وسيثق العروبي أن صرخاتها ليست دخاناً سيضيع فى الهواء.

أضف تعليق