يقترب العدوان الإسرائيلي على غزة من يومه التسعين حثيثاً، تبخرت أحلام نتنياهو بالقضاء على حماس أو حتي إحراز انتصار ما يحفظ ماء وجهه، ومع أحلام نتنياهو تبخرت الكثير من أوهام السلام والتعايش، وكذا وهم “حل الدولتين” الذي حاول “معتدلوا الغرب” تسويقه منذ عقود باعتباره حلاً أمثل للصراع العربي الإسرائيلي بعد تقزيمه ليصبح صراعاً اسرائيلياً فلسطينياً فقط.
بالتأكيد لن يصبح العالم بعد السابع من أكتوبر كما كان قبله، فدماء كثيرة جرت في الأنهار، مفاهيم اهتزت، وأكاذيب تكشفت، وأساطير سقطت،
هذا التغير المدهش، رصده محللون وخبراء ــ من خلفيات وأيدولوجيات متباينة ـ حول العالم، محاولين تقديم قراءات أولية حول ما تغير، وما يمكن ان يتبدل لاحقاً، وربما سيكون “الرأي العام العربي” أحد أهم هذه المتغيرات، التي ستلقي بظلالها علي صيرورة مشهدي التفاوض والنزاع .
تحت عنوان “كيف غيرت حرب اسرائيل- حماس رؤي العرب” نشرت الدورية الاميركية “فورين آفيرز” مقالاً ترصد فيه تغير الرأي العام العربي منذ عملية السابع من أكتوبر تجاه مصطلحات دخلت ادبيات الحوار والتحليل السياسي وكذا النقاش المجتمعي منذ ما يزيد عن العشرين عاماً، مثل السلام وحل الدولتين، ومصطلحات أخري أقرب زمنياً مثل المقاومة، ومحورها،
المقال الذي تشارك كتابته د.ميشيل روبنز،د.ماري كليرروش،د.أماني جمال،سلمى الشامي ود.مارك تيسلر ذكر بداية كيف كان من الصعب رصد تأثير الهجمات علي الرأي العام العربي في البداية، وكيف تغير الأمر لاحقاً،
كشف المقال عن قيام “شبكة البارومتر العربي “ البحثية غير الحزبية باستطلاع للرأي علي مستوى الدولة في تونس بمساعدة الشريك المحلي “وان أون وان ” للبحوث والاستطلاعات شاءت الصدفة ان تجري نصف مقابلات الاستطلاع في الأسابيع الثلاثة السابقة علي هجوم أكتوبر، ونصفها الآخر في الأسابيع الثلاثة التالية له.
“النتائج مدهشة” ..هكذا وصفت فورين آفير قرائتها للتغير الحادث في الرؤي العربية طبقاً للاستطلاع، وتقول “منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول شهدت كل دولة مشمولة بالاستطلاع كانت لها علاقات إيجابية – أو آخذة في التحسن – مع إسرائيل، تراجع تحبيذ المواطنين التونسيين لها.
تفوق خامنئي ..وأميركا الخاسر الأكبر
أكبر تراجع في الشعبية بين تلك الدول كان من نصيب الولايات المتحدة الأمريكية، لكن حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط الذين صاغوا علاقات مع إسرائيل على مدار السنوات الأخيرة تعرضوا بدورهم لتراجع الشعبية فيما يخص الرأي العام التونسي. في الوقت نفسه، شهدت الدول التي ظلّت على الحياد تغيرات طفيفة في توجهات الرأي العام حولها. كما زادت شعبية القيادة الإيرانية، التي تعارض إسرائيل بقوة على طول الخط. بعد الهجمات بثلاثة أسابيع أصبحت نسب استحسان الرأي العام التونسي لقائد الثورة الإيرانية علي خامنئي توازي أو حتى تتفوق على نسب استحسان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الإماراتي محمد بن زايد.”
الامر ليس قاصراً علي تونس، نتفق وفورين آفيرز وكثير من المراقبين علي ذلك، فقبل ايام نشرموقع معهد الأمن القومي الأسرائيلي تقريرا عنونه “الراديكالية والامال المحبطة.. كيف يري الفلسطينيون الحرب”
والذي أكدت نتائجه ارتفاع شعبية حماس في الضفة عنها في غزة، ونهاية الثقة في حل الدولتين وامكانية التعايش بين الفلسطينين والاسرائيليين، فضلا عن تراجع رهيب في شعبية السلطة الفلسطينية والثقة فيها.
بالعودة للاستطلاع الأول وصفت “فورين آفير” التغيرات في الرأي العام بأنها “دراماتيكية” ، فنادراً ما نشهد تغيرات بهذا الحجم في أسابيع قليلة، وهي تحولات لا يمكننا وصفها بأنها متعجلة أو مؤقتة، لأن اراء التونسيين ــ التي اتخذت هنا مؤشراً للرأي العام العربي ــ لم تتحول عشية الهجوم ثم تستقرـ بل تحولت تدريجيا عبر أيام الحرب الطوال، ومع توالي ورود الصور والشهادات لسير العملية الإسرائيلية شديدة الوحشية.